قوانين الطبيعة ودروس التاريخ
صفحة 1 من اصل 1
قوانين الطبيعة ودروس التاريخ
قوانين الطبيعة ودروس التاريخ
سولت لي نفسي أن أقوم بإجراء تجربة عملية تخالف قوانين الطبيعة حسب علمي المتواضع كما دعاني فضولي إلى خرق القوانين التي تعلمتها منذ صباي ظنا مني أن الدنيا تغيرت. ربما أردت أن أقوم بهذه التجربة لإثبات عكس بعض النظريات التي تعلمتها.
تعلمنا أن المادة لها حالات ثلاث، الصلبة والسائلة والغازية، كما علمني أساتذتي الأفاضل أن المعادن لا تذوب في الماء، إلا أنني أردت أن أثبت العكس لعلي أصل إلى نتيجة أحصل من خلالها على جائزة نوبل في الآداب ربما !
أتيت بقطعة معدنية فولاذية ووضعتها في كوب من الماء البارد محاولاًَ ذوبانها، انتظرت اليوم تلو الآخر والأسبوع والشهر والسنة تلو الأخرى ربما تذوب، وربما قرون لو استمر الحال على ما هو عليه، تيقنت أن محاولاتي كلها لإذابة الفولاذ في الماء ما هي إلا محض هراء وخرق لقوانين الطبيعة التي أردت يوماً أن أتمرد عليها، ثم عدت إلى قوانين الطبيعة كما علمني أستاذ العلوم أن إذابة المعادن لا تأتي إلا بالتسخين الشديد وكل معدن له فرن خاص به ذو درجة حرارة تكفي لإذابته أو انصهاره إذا أردنا الدقة في التعبير.
أحضرت القطعة المعدنية وذهبت بها إلى أحد الحدادين وشرحت له محاولاتي لإذابة المعدن في الماء، فتبسم ضاحكاً من قولي وأخذ مني القطعة وتفحصها جيداً وقال لي أنها تحتاج إلى درجة حرارة تصل إلى ستمائة درجة مئوية كي تتحول إلى سائل وتنصهر. ثم وضع القطعة في فرن عنده فانصهرت على الفور.
قلت في نفسي سبحان الله، فمعرفة طبيعة المادة، أو طبيعة الأشياء عموماً، تجعل من اليسير التعامل معها، أما عشوائية المعرفة في الغالب لا تصل بصاحبها إلى نتيجة، ربما معرفة الأشياء وحدها لا تكفي للتعامل معها لعدم خوض تجاربها، وربما الجهل بالشيء ولكن كثرة التعامل معه يكسبك شيئا من العلم به ولو بالخبرة.
بعد هذه التجربة وبعد انصرافي من عند صديقي الحداد عدت لأسترخيَ قليلاً وأحتسيَ قهوتي وأقرأ الصحفَ، فوجدت خبراً يشبه إلى حد كبير تجربتي العقيمة التي حاولت من خلالها خرق لبعض قوانين الطبيعة والحصول على جائزة "عوكل" حتى.
قرأت اللهم اجعله خير، أن البيت الأبيض بواشنطن استضاف المفاوضات المباشرة بين كل من الرئيس الفلسطيني المنتهية ولايته منذ فترة محمود عباس أبو مازن، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وضيوف الشرف كل من الرئيس المصري حسني مبارك والملك عبد الله الثاني ملك الأردن برعاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما. نظرت إلى الصورة قبل قراءة تفاصيل الخبر، ولكن الصورة عندي لفتت انتباهي أكثر من الخبر ذاته، فالخبر بالنسبة لي لن يأتي بجديد ولن يغير من طبيعة الأشياء كما كنت أظن من تجربة إذابة المعادن في الماء، ولكن ما لفت نظري وأكد لي صدق قوانين الطبيعة حتى في دروس التاريخ أن لقاء أوسلو عام 1993، أي منذ ما يقرب من عشرين عاماً، كان به نفس الأطراف مع اختلاف الأشخاص لنفس الموضوع. مباحثات مباشرة بين نفس طرفي الصراع برعاية نفس الراعي الرسمي الحالي، كل ما في الأمر أن كل الشخصيات تبدلت منذ عام 1993 ولكن لازال الموضوع واحد لم يتغير.
كما لفت نظري الفارق الزمني بين مفاوضات 1993 ومفاوضات 2010 ووجد التشابه بين هذه التجربة - تجربة المفاوضات – والتجربة الفاشلة التي أردت من خلالها إذابة المعدن في الماء، ووصلت إلى استنتاجات عديدة منها:
1-أن نجاح المفاوضات بين طرفي الصراع العربي الإسرائيلي – سواء عربي عام، أو فلسطيني خاص، هي تجربة في حد ذاتها غير متكاملة العناصر أو على أقل تقدير تخالف قوانين الطبيعة، لأن الطرفين، حسب قوانين الطبيعة – كالخطين المتوازيين مهما امتدا لا يتلاقيان.
2- إذا أردنا التحايل على قوانين الطبيعة لجعل الخطان المتوازيين يتلاقيان، لا بد من انكسار أحدهما على الآخر، وهذا ملحوظ في كل المفاوضات السابقة، لكن كلما انكسر الخط الفلسطيني ليتلاقى مع الخط الإسرائيلي انحرف الطرف الإسرائيلي بنفس زاوية الميل بحيث يحافظ على التوازي وعدم التلافي بشكل دائم.
3- الاستنتاج الثالث، هو أن المفاوض الإسرائيلي إذا افترضنا أنه هو المعدن الصلب، والذي لا يمكن أن يذوب في ماء المفاوض الفلسطيني، لهذا فالمفاوض الإسرائيلي المعدني لا يحتاج إلى ماء ليذيبه ولكن كما علمتنا قوانين الطبيعة أنه يحتاج إلى فرن شديد الحرارة ليصهره، ثم يطرقه ويسحبه ويشكله.
وعليه فلم يصل الجانب الفلسطيني على مدى تاريخه التفاوضي مع الجانب الإسرائيلي إلى أي نتائج لأنه الوسط الرديء الذي لا يصلح لصهر المعادن، ربما أقصاه الوصول إلى درجة الغليان ليبقى المعدن ويتبخرهو.
فالجسم المعدني الإسرائيلي لن تتغير خواصه إلا بتغيير خواص العنصر الفلسطيني وإلا سيبقى الحال على ما هو عليه منذ بدأت المفاوضات في أوسلو 1993 حتى الآن، وربما لعقود آتية طالما أن الطرف العربي عامة يعمل كوسيط بارد لا يساعد على التفاعل المناسب لإنجاز شيء في المفاوضات. وإذا كان الدور العربي عامة لا يمثل إلا وسيطاً بارداً، فلا يتجاوز الدور الفلسطيني الفقاقيع الهوائية التي تلتصق بالقطعة المعدنية فور إسقاطها في الماء.
المؤكد أن حرب لبنان عام 2006 كانت هي العنصر المطلوب لإحداث درجة الحرارة المناسبة التي استطاعت المقاومة من خلالها إذابة القطعة الإسرائيلية التي ظننا لعقود طويلة أنها قطعة معدنية تحتاج إلى درجة حرارة تشبه درجة حرارة الشمس في منتصف نهار صيف حار ولكن فور اندلاع الحرب اكتشفنا أن العنصر الإسرائيلي ليس معدني كما كنا يظن وكما يظن المفاوض الفلسطيني، بل هو عنصر زجاجي لا أكثر، يحمل خواص الزجاج من حيث الهشاشة وقابلية الكسر.
لا أدري هل القوانين الفيزيائية الطبيعية تجعل للعنصر الواحد خصائص مختلفة، بمعنى هل للكيان الإسرائيلي خصائص فولاذية مع المفاوض الفلسطيني وخصائص زجاجية مع المقاومة اللبنانية؟ أظن أن ذلك مستحيل من هذا المنظور، ولكن المؤكد أن طبيعته تميل إلى العنصر الأقل، أي الزجاجي إلا أن الأمر يبقى نسبياً ومختلفاً في نظرنا نحن العرب، بحيث لا نرى الأشياء بخصائصها الطبيعية، فاختلط الأمر علينا بحيث نرى الزجاج فولاذاً والماء مع الوقت ربما يصهر الحديد. هكذا يتعلم أبناؤنا قوانين الطبيعة من دروس التاريخ!
مواضيع مماثلة
» أفضل مادة معقمة موجودة في الطبيعة؟
» التاريخ الإسلامي
» سطات التاريخ والحضارة
» قوانين المنتدى
» قوانين وضوابط النقاش الجاد
» التاريخ الإسلامي
» سطات التاريخ والحضارة
» قوانين المنتدى
» قوانين وضوابط النقاش الجاد
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى