عندما تسحق الإنسانية
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
عندما تسحق الإنسانية
عندما تسحق الإنسانية
في 1 تموز 1971 وجد ضباط وطلاب مدرسة أهرمومو العسكرية في المغرب أنفسهم متورطين بخدعة متقنة في انقلاب دبره مدير المدرسة “الكولونيل امحمد اعبابو” مع بعض الجنرالات، على الملك المغربي الحسن الثاني. أوهم الكولونيل أكثر من ألف من كوادر المدرسة بأنهم سيشاركون في مناورة عسكرية ومن ثم أفصح لهم عن السر الكبير بأن مهمتهم الحقيقية تكمن في التصدي لمجموعة ثورية استولت على مجموعة من الأبنية الحكومية. وقادهم إلى قصر الصخيرات الملكي الذي لم يره من قبل أي من هؤلاء المساكين، على أنه المكان المنشود.
مأخوذين بالمشاهد التي رأوها في القصر الفخم، انطلق الطلاب في حملة إطلاق نار مسعورة للقضاء على العناصر الثورية التي لم تكن في الواقع سوى مجموعة كبيرة من كبار الشخصيات والدبلوماسيين المدعوين إلى حفل عيد ميلاد الملك.
فشل انقلاب الصخيرات بمعجزة ولم يصب الملك بأذى وإن سقط العديد من الضحايا. فأعدم الجنرالات مدبرو الانقلاب ومعاونوهم على الفور. في حين قُدّم أكثر من ألف من ضباط وتلامذة مدرسة أهرمومو ممن لا حول لهم ولا قوة، إلى محاكمة صورية لم تستغرق أكثر من شهر، أطلق على إثرها سراح الجنود من صغار الرتب وحكم على الضباط وضباط الصف بمدد تتراوح بين السنتين وعشرين سنة.
في 16 آب – أغسطس عام 1972 وقعت محاولة انقلابية ثانية، قادها الجنرال محمد أوفقير وزير الدفاع المغربي آنذاك، من خلال محاولة إسقاط طائرة الملك القادمة من فرنسا. وهنا أيضاً فشل الانقلاب ونجا الملك. وكما في المرة الأولى أعدم الجنرالات وحوكم الضباط وصف الضباط المشاركون عن غير علمهم بمدد مختلفة.
إلا أن الأحكام الصادرة بحق هؤلاء المساكين لم تشف غليل الملك وحاشيته فقرروا تأديبهم بطريقتهم الخاصة من خلال إعداد معتقل رهيب اسمه تازمامارت في ناحية جبلية منعزلة مفقرة مجهولة من الأطلس الكبير، على علو نحو 2000م. وفي آب 1973 بعد أن تم الإفراج عمن أتموا محكومية السنتين، قامت قوات الأمن باختطاف جميع من حكم عليه بأكثر من سنتين سجناً واقتادتهم إلى معتقل الموت البطيء تازمامارت ليختفي أثر ثمانية وخمسين من الضباط وصف الضباط مدة ثمانية عشر سنة كانت السلطات المغربية تنكر فيها وجود مثل هذا المعتقل إلا في الخيال المريض لأعداء المغرب! إلى أن أفرجت في 23 أكتوبر – تشرين الأول 1991، تحت تأثير من ضغط الرأي العام العالمي، عن ثمانية وعشرين ممن بقي منهم حياً أو نصف حي بعد أن ابتلع المعتقل اثنين وثلاثين شخصاً ماتوا من البرد والجوع والمرض.
أحد الناجين من هذه المجزرة الرهيبة ويدعى أحمد المرزوقي، ألف كتاباً يروي فيه محنته ومحنة رفاقه في تازمامارت بعنوان “تزمامارت – الزنزانة رقم 10”. وهو الكتاب الذي دفعتنيقراءته إلى كتابة هذه التدوينة.
لا أعرف كيف أصف الكتاب، فقراءته هي ولا شك نوع من المازوشية. هذا ما كان يخطر في بالي كلما بلغ مني الألم، أثناء قراءته، مبلغاً يدفعني إلى رميه بعيداً عني وعيناي مغرورقتان بالدموع أو وأنا أجهش بالبكاء في بعض الأحيان، محاولاً إقناع نفسي بعدم متابعة القراءة.
كنت من جهة أبكي تعاطفاً مع معاناة هؤلاء المساكين، الذين حتى ولو كانوا من أعتى المجرمين، فإنه يستحقون حداً أدنى من المعاملة الإنسانية. لا أن يلقى بهم إلى الموت البطيء وسط صمت وتجاهل الجميع. ومن جهة أخرى أبكي على الإنسانية المسحوقة، على وحشية بني الإنسان التي تسمح لهم بإلقاء آدميين في أعالي الجبال ليواجهوا بردها القارس دونما ألبسة أو حتى أغطية
bilal2- عضو نشيط
-
الجنس :
عدد المساهمات : 31
التقييم : 10
سجل في : 25/09/2011
العمر : 36
mohammedia
وسام :
مواضيع مماثلة
» عناصر الكتابة الفلسفية و الإنشاء الفلسفي مسلك الأداب والعلوم الإنسانية
» عندما بكى الرسول صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام
» عندما بكى الرسول صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى