كيف يرى الدكتور المهدي المنجرة مغرب 2020
صفحة 1 من اصل 1
كيف يرى الدكتور المهدي المنجرة مغرب 2020
كيف يرى الدكتور المهدي المنجرة مغرب 2020
هذا النص مستقبلي، كتب في سنة 1995 ويصف توقعات سنة 2020
لقد كرس الدكتور المهدي المنجرة جزءا كبيرا من حياته للدراسات المستقبلية. و يأمل أن تحظى هذه الدراسات بالأهمية التي تستوجبها بالنسبة لمغرب الغد، بعد ما يكون قد طور الدراسات و أبحاث حول المستقبل و أسس مراكز و معاهد تضطلع بتوفير مختلف المعلومات و المؤشرات الضرورية للقيام بمثل هذه الدراسات و للتمكن من المسك بخيوط التطور و التنمية مستقبلا.و مما يقوي أمل الدكتور المهدي المنجرة أن هناك وعي بارز حاليا بالمغرب على الصعيد السياسي بأهمية و جدوى الدراسات المستقبلية، و هذا يعتبر من المؤشرات و من العلامات المؤدية إلى ضرورة طرح تغيير الرؤى فيما يخص نموذج التنمية التي اعتمدتها البلاد إلى حد الآن.
علما أن المغرب، كباقي دول العالم الثالث، قد مر بمرحلة التقليد، حيث حاول تقليد ألآخر و نسخ تجاربه لبلوغ النتائج المرجوة. و قد تم اعتماد هذا المسار بحسن نية و ارتكازا على درجة من الوعي. إلا أنه اليوم، يبدو أن المغرب في حاجة ماسة، أكثر من أي وقت مضى، إلى إ نموذج مغاير للنموذج المعتمد، أي نموذج يكون مؤسسا على عوامل داخلية، و معطيات و قيم اجتماعية و ثقافية خاصة به و اعتمادا على الاستجابة لحاجيات المجتمع كما هي معبر عليها ديموقراطيا.
و لا يخفي على أحد أن مثل هذا النموذج يعطي مكانة خاصة لمبدأ المشاركة، و التي هي مازالت في بداية الطريق بالمغرب.
و في نظر الدكتور المهدي المنجرة أن مغرب الغد سيولي أهمية أكثر لمفهوم العدالة فيما يخص توزيع الثروات المادية و غير المادية دون اعتبار التموقع الطبقي أو الانتماء الاجتماعي. إن الجيل الذي سيتحمل المسؤولية غدا بالمغرب، حسب الدكتور، سيكون جيلا أقل إحساسا بعقدة النقص مقارنة بالأجيال السابقة له التي تلت مرحلة الاستقلال. انه سيكون أقل إحساسا بالنقص بالنظر للخارج، لاسيما و أنه سيكون مضطرا للاعتماد على نفسه و سيتوفر على ثقة أكبر في محدداته الثقافية و الاجتماعية و في قدراته، لاسيما و أنه جيل متعلم و ذو كفاءة و معرفة، بحيث أن مغرب الغد سيتوفر على أطر ذات كفاءة ودراية أكثر من السابق.
إلا أن المستقل ليس واحدا، فهناك تعدد المستقبلات الممكنة، لذا فالمطروح هو الاهتمام بالمستقبل المرغوب فيه أو المستقبلات المرغوب فيها قصد النظر بعد ذلك في النهج و السبل التي ستمكن من تصور هذه المستقبلات و طرق جعلها مستقبلات ممكنة التحقيق أخذا بعين الاعتبار مختلف المحددات و الاكراهات البشرية و المادية و المالية.
ففي سنة 2020 سيصل سكان المغرب إلى ما يناهز 45 مليون نسمة، علما أن أمل الحياة سيرتفع إلى 65 سنة، و بذلك سيحدث تعبيرا ملحوظا على مستوى الهرم الديموغرافي، أكثر من 50 في المائة من الساكنة سيكون عمرهم أقل من 25 سنة. و هذا يعني أنه هناك عامل أساسي لا مناص من أخذه بعين الاعتبار و بالأهمية التي يستلزمها للاستعداد للغد، و هو الخاص بتوزيع الساكنة بين الحواضر و البوادي. فالساكنة الحضرية المغربية في سنة 2020 مؤهلة لتصل إلى 70 في المائة من مجموع سكان البلاد. و هذا يعتبر تحديا كبيرا لامناص من الاستعداد إليه منذ البارحة و ليس منذ اليوم.
و في نظر الدكتور المهدي المنجرة يمكن لمغرب 2020 أن يحقق 90 في المائة من الاكتفاء الذاتي الغذائي، و هذا ما سيمكن البلاد من هامش مهم للتحرك على صعيد قضايا التنمية. لاسيما إذا تمكنا من تقليص الأمية إلى حدود 25 في المائة (عوض 55 في المائة حاليا)، و هذا التقليص عليه أن يكون ليس كميا فقط و لكن نوعيا كذلك، اعتبارا لضرورة تحقيق توازن يتعلق بالعالم الحضري، و فيما يتعلق بالمرأة و الرجل. و هذا يعني أنه يجب إعطاء الأولوية الآن للعالم القروي و للمرأة في هذا المجال.
كما يأمل الدكتور المهدي المنجرة أن تستفيد كافة ساكنة مغرب 2020 من الماء الصالح للشرب في إطار سيرورة تحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية و تكريس كرامة الإنسان كأولوية الأولويات. و هذه السيرورة نحو المزيد من العدالة الاجتماعية من شأنها تفعيل سيرورة الخلق و الإبداع في المجال الفني، و هذا مؤشر من المؤشرات التنموية سواء في المجال الاقتصادي أو الاجتماعي في المجتمع ما دامت التنمية ليس مادية فقط.
و يعتقد الدكتور المنجرة أن الخلق و الإبداع يعتبر من العناصر الأساسية للانتقال نحو مجتمع المعرفة. و هذا الصدد يحتل الإعلام مكانا جوهريا، لأنه كلما ظهرت جريدة أو مجلة أو كتاب أو شكل جديد للتعبير كيفما كان، فمن شأنه أن يساهم في توسيع مجال الاختيارات و تعدد الرؤى المتوفرة لعموم الناس. و هذا الخلق أو هذا الإبداع يجب أن يطبع كذلك البحث العلمي و الذي على البلاد أن تخصص له، في رأي الدكتور المنجرة، على الأقل 0.3 في المائة من الناتج الداخلي الخام. إلا أنه يتمنى منذ الآن أن يكون الهدف هو تخصيص 1.5 في المائة من الناتج المذكور للاستثمار في البحث، لأنه يعتبر شرطا حيويا للوجود ما دامت التكنولوجيا الجديدة تستوجب استثمارات هامة و تكوين مستمر، و ما دامت المعرفة تنمو و تتطور بسرعة متصاعدة، و إذا لم نوفر شرط المسايرة سيكون من الصعب، بل من المستحيل مسايرة الركب.
علما أن المغرب قد تأخر بشكل ملحوظ عن مسار سيرورة تطور البحث العلمي على الصعيد العالمي، مثله مثل حال العالم الثالث عموما، و يزداد الطين بلة بمعاينة تذمر الباحثين المغاربة فيما يخص التعامل مع ميدان البحث العلمي بالمغرب من طرف القائمين على الأمور في مختلف المجالات. إذن هناك تأخر بفعل درجة السرعة التي يسير فيها العالم في هذا المجال، و تزداد الصعوبة أكثر بمعاينة أن الدول المتقدمة غير مستعدة لنقل التيكنولوجيا إلى دول العالم الثالث، لاسيما فيما يخص التيكنولوجيا المتطورة و المتقدمة و ذلك اعتبارا لأسباب سياسية و أسباب اقتصادية و أسباب أخرى مرتبطة بالأمن، لاسيما و أنه أصبح من الصعب بمكان التمييز بين استعمال تلك التكنولوجيا المتطورة في المجال المدني و المجالات العسكرية. إلا أنه يلاحظ الدكتور المهدي المنجرة أن عدد الأدمغة و الباحثين من أبناء دول العالم الثالث يكادون يمثلون أغلبية على الصعيد العالمي، و بذلك يظل من البديهي ضرورة اعتماد التعاون الجنوبي-الجنوبي، سواء على الصعيد الإقليمي أو على صعيد القطاعات أو على صعيد الجامعات و الوحدات الإنتاجية. فدول الجنوب هي في حاجة لكل نوع من أنواع هذا التعاون لأن أي شكل من أشكاله كفيلة بتجميع الشروط للتمكن من قيام بحث علمي مجدي اعتبارا لما أصبح يتطلبه من إمكانيات مادية و بشرية و معداتية.
و إذا لم يكن من بالحجم المطلوب فلن تكون له انعكاسات لا على الإنتاج و لا في مجال تحسين ظروف الحياة. لأننا لا نقوم بالبحث العلمي من أجل البحث فقط، و إنما نقوم بالبحث ذي هدف و مقصود، بحث علمي أساسي من شأنه أن يسهل التطبيق لجني الثمار.
و اعتبارا لوضعية أغلب دول الجنوب، فان من أجدى السبل العمل الشبكي، أي العمل عبر شبكات- أو ما يسمى حاليا بلا مادية الاقتصاد- لأن هذا النهج سيقلص من بعض مصاريف البنيات التحتية و مصاريف التسيير و التدبير. و هكذا يمكن إحداث شبكات للبحث العلمي على الصعيد المغاربي و على الصعيد الإفريقي و على صعيد العالم العربي. و يمكن إشراك الباحثين المتواجدين بالغرب في تلك الشبكات، لاسيما و أن وسائل الاتصال و التواصل أضحت تسمح بذلك.
و من بين الإشكالات التي تظل قائمة بالنسبة لمغرب المستقبل حجم السوق. و لقد أكد الكثيرون، إضافة للدكتور المهدي المنجرة، أن الحد الأدنى لحجم السوق الملائمة يتطلب على الأقل 100 مليون نسمة، و لا يهم الشكل لضمان هذا الحد الأدنى ( منطقة حرة، تجمع اقتصادي جهوي أو إقليمي…) و في هذا الصدد تبدو بجلاء أهمية الوحدة المغاربية، لأنها أضحت في واقع الأمر مسألة حياة أو موت بالنسبة لبلدان المغرب العربي و شعوبه. إلا أن الدكتور المهدي المنجرة يتأسف لغياب الإرادة السياسية الضرورية و الكافية لتحقيق هذا الحلم الجماهيري المغاربي. علاوة على عدم إشراك شعوب المنطقة، بشكل أو بآخر، للمساهمة في تفعيل سيرورة هذه الوحدة.
و يعتبر الدكتور المهدي المنجرة أنه مادامت الوحدة أضحت ضرورية فلا بد من ترك لهل الفرصة لتعرف النجاح، قبل التفكير في أي بديل آخر غيرها. و تزداد أهمية هذه الإشكالية في نظر الدكتور باعتبار أنه سبق له أن برهن أن الرهان حاليا هو رهان ثقافي أكثر من أي وقت مضى، وهذا ما أكده كذلك "صامويل هونتيكتن" مدير معد الدراسات الاستراتيجية بهارفارد في صيف 1993 في مقالته المعنونة " صدام الحضارات" الصادرة في مجلة "مورين أفير" ، أي أن الصراعات، من الآن فصاعدا، ستكون صراعات حضارية و ثقافية. و هذا ما يفسر تفاؤل الدكتور المهدي المنجرة رغم كل الصعوبات التي تعرفها المرحلة الانتقالية بالمغرب. و باعتبار أن هناك درجة كبيرة من الأمية، فان رد فعل الشعب عموما لأي اعتداء أو هيمنة تمس الثقافة و الحضارة سيكون قويا لا محالة. فالثقافة أضحت مفتاح العلاقات الدولية أكثر من أي وقت مضى.
و فيما يخص ظاهرة تطور الحركات الإسلامية يرى الدكتور المهدي المنجرة أن هناك اتجاه نحو لفظ الأصولية. فقبل 15 أو 20 سنة، لم تكن الأصولية تشكل مشكلا، حتى على الصعيد العالمي، بل على العكس من ذلك، كان المسلم إنسان مطيع، لا يكاد أثره يبين، و كان من مناهضي الشيوعية و يتعبد في المسجد. لكن هذا المسلم اليوم بدأ يظهر بشكل آخر و بصورة أخرى، لاسيما و أن عدد المسلمين كثر على الصعيد العالمي و فاق عدد المسيحيين، و هذا مشكل في نظر الغرب و بالنسبة إليه. إلا أنه في واقع الأمر، يقول الدكتور المهدي المنجرة، إن المشكل يكمن في كون أن آليات التواصل الثقافي لم تعمل بين البلدان الأوروبية و الآخرين، و هذا عنصر أو سبب بشري و ليس ديني. و مشكل التواصل هو قائم حتى على صعيد البلد الواحد و ليس بين البلدان فقط.
و خلاصة القول، يعتقد الدكتور المهدي المنجرة، أن ما يحدث بالمغرب يعتبر ايجابي لاسيما فيما يتعلق بأخذ العبرة من بعض الأخطاء الجسيمة السالفة، إذ أضحى الحديث عن هذه الأخطاء بنوع من الصراحة و بدرجة من النزاهة السياسية. و هذا مهم مقارنة بالماضي. و هذا يعني أن المغرب بدأ يتخلص من بعض المعوقات ليتمكن من تحديد المقاصد التي ستمكنه من الخروج من وضعيته الحالية.
هذا النص مستقبلي، كتب في سنة 1995 ويصف توقعات سنة 2020
لقد كرس الدكتور المهدي المنجرة جزءا كبيرا من حياته للدراسات المستقبلية. و يأمل أن تحظى هذه الدراسات بالأهمية التي تستوجبها بالنسبة لمغرب الغد، بعد ما يكون قد طور الدراسات و أبحاث حول المستقبل و أسس مراكز و معاهد تضطلع بتوفير مختلف المعلومات و المؤشرات الضرورية للقيام بمثل هذه الدراسات و للتمكن من المسك بخيوط التطور و التنمية مستقبلا.و مما يقوي أمل الدكتور المهدي المنجرة أن هناك وعي بارز حاليا بالمغرب على الصعيد السياسي بأهمية و جدوى الدراسات المستقبلية، و هذا يعتبر من المؤشرات و من العلامات المؤدية إلى ضرورة طرح تغيير الرؤى فيما يخص نموذج التنمية التي اعتمدتها البلاد إلى حد الآن.
علما أن المغرب، كباقي دول العالم الثالث، قد مر بمرحلة التقليد، حيث حاول تقليد ألآخر و نسخ تجاربه لبلوغ النتائج المرجوة. و قد تم اعتماد هذا المسار بحسن نية و ارتكازا على درجة من الوعي. إلا أنه اليوم، يبدو أن المغرب في حاجة ماسة، أكثر من أي وقت مضى، إلى إ نموذج مغاير للنموذج المعتمد، أي نموذج يكون مؤسسا على عوامل داخلية، و معطيات و قيم اجتماعية و ثقافية خاصة به و اعتمادا على الاستجابة لحاجيات المجتمع كما هي معبر عليها ديموقراطيا.
و لا يخفي على أحد أن مثل هذا النموذج يعطي مكانة خاصة لمبدأ المشاركة، و التي هي مازالت في بداية الطريق بالمغرب.
و في نظر الدكتور المهدي المنجرة أن مغرب الغد سيولي أهمية أكثر لمفهوم العدالة فيما يخص توزيع الثروات المادية و غير المادية دون اعتبار التموقع الطبقي أو الانتماء الاجتماعي. إن الجيل الذي سيتحمل المسؤولية غدا بالمغرب، حسب الدكتور، سيكون جيلا أقل إحساسا بعقدة النقص مقارنة بالأجيال السابقة له التي تلت مرحلة الاستقلال. انه سيكون أقل إحساسا بالنقص بالنظر للخارج، لاسيما و أنه سيكون مضطرا للاعتماد على نفسه و سيتوفر على ثقة أكبر في محدداته الثقافية و الاجتماعية و في قدراته، لاسيما و أنه جيل متعلم و ذو كفاءة و معرفة، بحيث أن مغرب الغد سيتوفر على أطر ذات كفاءة ودراية أكثر من السابق.
إلا أن المستقل ليس واحدا، فهناك تعدد المستقبلات الممكنة، لذا فالمطروح هو الاهتمام بالمستقبل المرغوب فيه أو المستقبلات المرغوب فيها قصد النظر بعد ذلك في النهج و السبل التي ستمكن من تصور هذه المستقبلات و طرق جعلها مستقبلات ممكنة التحقيق أخذا بعين الاعتبار مختلف المحددات و الاكراهات البشرية و المادية و المالية.
ففي سنة 2020 سيصل سكان المغرب إلى ما يناهز 45 مليون نسمة، علما أن أمل الحياة سيرتفع إلى 65 سنة، و بذلك سيحدث تعبيرا ملحوظا على مستوى الهرم الديموغرافي، أكثر من 50 في المائة من الساكنة سيكون عمرهم أقل من 25 سنة. و هذا يعني أنه هناك عامل أساسي لا مناص من أخذه بعين الاعتبار و بالأهمية التي يستلزمها للاستعداد للغد، و هو الخاص بتوزيع الساكنة بين الحواضر و البوادي. فالساكنة الحضرية المغربية في سنة 2020 مؤهلة لتصل إلى 70 في المائة من مجموع سكان البلاد. و هذا يعتبر تحديا كبيرا لامناص من الاستعداد إليه منذ البارحة و ليس منذ اليوم.
و في نظر الدكتور المهدي المنجرة يمكن لمغرب 2020 أن يحقق 90 في المائة من الاكتفاء الذاتي الغذائي، و هذا ما سيمكن البلاد من هامش مهم للتحرك على صعيد قضايا التنمية. لاسيما إذا تمكنا من تقليص الأمية إلى حدود 25 في المائة (عوض 55 في المائة حاليا)، و هذا التقليص عليه أن يكون ليس كميا فقط و لكن نوعيا كذلك، اعتبارا لضرورة تحقيق توازن يتعلق بالعالم الحضري، و فيما يتعلق بالمرأة و الرجل. و هذا يعني أنه يجب إعطاء الأولوية الآن للعالم القروي و للمرأة في هذا المجال.
كما يأمل الدكتور المهدي المنجرة أن تستفيد كافة ساكنة مغرب 2020 من الماء الصالح للشرب في إطار سيرورة تحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية و تكريس كرامة الإنسان كأولوية الأولويات. و هذه السيرورة نحو المزيد من العدالة الاجتماعية من شأنها تفعيل سيرورة الخلق و الإبداع في المجال الفني، و هذا مؤشر من المؤشرات التنموية سواء في المجال الاقتصادي أو الاجتماعي في المجتمع ما دامت التنمية ليس مادية فقط.
و يعتقد الدكتور المنجرة أن الخلق و الإبداع يعتبر من العناصر الأساسية للانتقال نحو مجتمع المعرفة. و هذا الصدد يحتل الإعلام مكانا جوهريا، لأنه كلما ظهرت جريدة أو مجلة أو كتاب أو شكل جديد للتعبير كيفما كان، فمن شأنه أن يساهم في توسيع مجال الاختيارات و تعدد الرؤى المتوفرة لعموم الناس. و هذا الخلق أو هذا الإبداع يجب أن يطبع كذلك البحث العلمي و الذي على البلاد أن تخصص له، في رأي الدكتور المنجرة، على الأقل 0.3 في المائة من الناتج الداخلي الخام. إلا أنه يتمنى منذ الآن أن يكون الهدف هو تخصيص 1.5 في المائة من الناتج المذكور للاستثمار في البحث، لأنه يعتبر شرطا حيويا للوجود ما دامت التكنولوجيا الجديدة تستوجب استثمارات هامة و تكوين مستمر، و ما دامت المعرفة تنمو و تتطور بسرعة متصاعدة، و إذا لم نوفر شرط المسايرة سيكون من الصعب، بل من المستحيل مسايرة الركب.
علما أن المغرب قد تأخر بشكل ملحوظ عن مسار سيرورة تطور البحث العلمي على الصعيد العالمي، مثله مثل حال العالم الثالث عموما، و يزداد الطين بلة بمعاينة تذمر الباحثين المغاربة فيما يخص التعامل مع ميدان البحث العلمي بالمغرب من طرف القائمين على الأمور في مختلف المجالات. إذن هناك تأخر بفعل درجة السرعة التي يسير فيها العالم في هذا المجال، و تزداد الصعوبة أكثر بمعاينة أن الدول المتقدمة غير مستعدة لنقل التيكنولوجيا إلى دول العالم الثالث، لاسيما فيما يخص التيكنولوجيا المتطورة و المتقدمة و ذلك اعتبارا لأسباب سياسية و أسباب اقتصادية و أسباب أخرى مرتبطة بالأمن، لاسيما و أنه أصبح من الصعب بمكان التمييز بين استعمال تلك التكنولوجيا المتطورة في المجال المدني و المجالات العسكرية. إلا أنه يلاحظ الدكتور المهدي المنجرة أن عدد الأدمغة و الباحثين من أبناء دول العالم الثالث يكادون يمثلون أغلبية على الصعيد العالمي، و بذلك يظل من البديهي ضرورة اعتماد التعاون الجنوبي-الجنوبي، سواء على الصعيد الإقليمي أو على صعيد القطاعات أو على صعيد الجامعات و الوحدات الإنتاجية. فدول الجنوب هي في حاجة لكل نوع من أنواع هذا التعاون لأن أي شكل من أشكاله كفيلة بتجميع الشروط للتمكن من قيام بحث علمي مجدي اعتبارا لما أصبح يتطلبه من إمكانيات مادية و بشرية و معداتية.
و إذا لم يكن من بالحجم المطلوب فلن تكون له انعكاسات لا على الإنتاج و لا في مجال تحسين ظروف الحياة. لأننا لا نقوم بالبحث العلمي من أجل البحث فقط، و إنما نقوم بالبحث ذي هدف و مقصود، بحث علمي أساسي من شأنه أن يسهل التطبيق لجني الثمار.
و اعتبارا لوضعية أغلب دول الجنوب، فان من أجدى السبل العمل الشبكي، أي العمل عبر شبكات- أو ما يسمى حاليا بلا مادية الاقتصاد- لأن هذا النهج سيقلص من بعض مصاريف البنيات التحتية و مصاريف التسيير و التدبير. و هكذا يمكن إحداث شبكات للبحث العلمي على الصعيد المغاربي و على الصعيد الإفريقي و على صعيد العالم العربي. و يمكن إشراك الباحثين المتواجدين بالغرب في تلك الشبكات، لاسيما و أن وسائل الاتصال و التواصل أضحت تسمح بذلك.
و من بين الإشكالات التي تظل قائمة بالنسبة لمغرب المستقبل حجم السوق. و لقد أكد الكثيرون، إضافة للدكتور المهدي المنجرة، أن الحد الأدنى لحجم السوق الملائمة يتطلب على الأقل 100 مليون نسمة، و لا يهم الشكل لضمان هذا الحد الأدنى ( منطقة حرة، تجمع اقتصادي جهوي أو إقليمي…) و في هذا الصدد تبدو بجلاء أهمية الوحدة المغاربية، لأنها أضحت في واقع الأمر مسألة حياة أو موت بالنسبة لبلدان المغرب العربي و شعوبه. إلا أن الدكتور المهدي المنجرة يتأسف لغياب الإرادة السياسية الضرورية و الكافية لتحقيق هذا الحلم الجماهيري المغاربي. علاوة على عدم إشراك شعوب المنطقة، بشكل أو بآخر، للمساهمة في تفعيل سيرورة هذه الوحدة.
و يعتبر الدكتور المهدي المنجرة أنه مادامت الوحدة أضحت ضرورية فلا بد من ترك لهل الفرصة لتعرف النجاح، قبل التفكير في أي بديل آخر غيرها. و تزداد أهمية هذه الإشكالية في نظر الدكتور باعتبار أنه سبق له أن برهن أن الرهان حاليا هو رهان ثقافي أكثر من أي وقت مضى، وهذا ما أكده كذلك "صامويل هونتيكتن" مدير معد الدراسات الاستراتيجية بهارفارد في صيف 1993 في مقالته المعنونة " صدام الحضارات" الصادرة في مجلة "مورين أفير" ، أي أن الصراعات، من الآن فصاعدا، ستكون صراعات حضارية و ثقافية. و هذا ما يفسر تفاؤل الدكتور المهدي المنجرة رغم كل الصعوبات التي تعرفها المرحلة الانتقالية بالمغرب. و باعتبار أن هناك درجة كبيرة من الأمية، فان رد فعل الشعب عموما لأي اعتداء أو هيمنة تمس الثقافة و الحضارة سيكون قويا لا محالة. فالثقافة أضحت مفتاح العلاقات الدولية أكثر من أي وقت مضى.
و فيما يخص ظاهرة تطور الحركات الإسلامية يرى الدكتور المهدي المنجرة أن هناك اتجاه نحو لفظ الأصولية. فقبل 15 أو 20 سنة، لم تكن الأصولية تشكل مشكلا، حتى على الصعيد العالمي، بل على العكس من ذلك، كان المسلم إنسان مطيع، لا يكاد أثره يبين، و كان من مناهضي الشيوعية و يتعبد في المسجد. لكن هذا المسلم اليوم بدأ يظهر بشكل آخر و بصورة أخرى، لاسيما و أن عدد المسلمين كثر على الصعيد العالمي و فاق عدد المسيحيين، و هذا مشكل في نظر الغرب و بالنسبة إليه. إلا أنه في واقع الأمر، يقول الدكتور المهدي المنجرة، إن المشكل يكمن في كون أن آليات التواصل الثقافي لم تعمل بين البلدان الأوروبية و الآخرين، و هذا عنصر أو سبب بشري و ليس ديني. و مشكل التواصل هو قائم حتى على صعيد البلد الواحد و ليس بين البلدان فقط.
و خلاصة القول، يعتقد الدكتور المهدي المنجرة، أن ما يحدث بالمغرب يعتبر ايجابي لاسيما فيما يتعلق بأخذ العبرة من بعض الأخطاء الجسيمة السالفة، إذ أضحى الحديث عن هذه الأخطاء بنوع من الصراحة و بدرجة من النزاهة السياسية. و هذا مهم مقارنة بالماضي. و هذا يعني أن المغرب بدأ يتخلص من بعض المعوقات ليتمكن من تحديد المقاصد التي ستمكنه من الخروج من وضعيته الحالية.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى